De :
Adnan Al-Dhahir (aldhahir35@yahoo.de)
Envoyé :
lun. 14/04/08 05:59
À :
mohamed boukerch (boukerchmohamed@hotmail.com)
المتنبي و...doc (37,2 Ko)
صباح الخير أخانا الرائع أبا كرش وليس بوكرش ... [[ أين الكرش وما أراك في صورك إلا مثلي رشيقاً ؟؟ ]].
إليك محاورة من المحاورات الجديدة التي يساهم صديقك المتنبي فيها وقد طالما لاحقته أنت بلا هوادة حتى ستوكهولم ... تحاول أن ترسم له صورة حديثة بالملابس الفرنجاوية ...
إنها حوارية تحمل عنوان :
المتنبي ونيتشة ... وأنت تعرف من هو نيتشة ثم إنك تحسن قراءة ما وراء وما بين السطور وما في الأفئدة والصدور فهيا شارك في هذا الحوار الساخن وإستخلص العِبرَ منه والعِظات .
محبك وأخوك الأكبرعدنان
عدنان الظاهر/ نيسان 2008
شعلة السناء
ـ حوار بين المتنبي ونيتشة ْ ـ
(( إنني لم أجدْ حتى اليوم إمرأة ً أريدها أمّا ً لأبنائي إلا المرأة التي أحبها ، لأنني أحبكِ أيتها الأبدية // الفيلسوف نيتشة ـ هكذا تكلم زرادشت )) .
لقاء غريب ، جد َّ غريب ، جمعت فيه بعد لأي ٍ كلاً من الشاعر أبي الطيب المتنبي والفيلسوف الألماني نيتشة . رجلان معروفان وشهيران فكيف لا أسعى للجمع بينهما مهما كانت المشاق والصعوبات ؟ هل تود أن تلتقي الفيلسوف في مدينتك العراقية الكوفة أم في بلده المانيا ؟ سألت المتنبي فقال بل أفضل أن نجتمع على أرض ملعبه ... في بلده ألمانيا . كما تشاء يا أبا الطيب . تقابل الرجلان فإعتنقا كأنهما معارف وأصدقاء منذ الأزل . تم اللقاء في بيتي وكنت قد أعددت مبكراً كل مستلزمات مثل هذا اللقاء التأريخي الذي لا يجود الزمن به إلا نادراً . كان كلاهما قد جاوز الخمسين بقليل وكان هذا عاملاً عجّل من سرعة التآلف فيما بينهما . لكأنَّ العمرَ جسرَُ حديد يمتد بشكل سري ٍّ تحت سطح الأرض ليربط البشر ببعضهم بقوّة وإحكام . قال المتنبي لي هيا تكلمْ يا رجل ، ما مناسبة هذا اللقاء ؟ معك حق ، معك حق يا شاعر ، المناسبة هي أني أعرض على أخينا نيتشة ْ صفقة زواج من فتاة مثقفة بالغة الحسن إسمها [ شعلة السناء ] فما رأيك ؟ إحتج َّ قائلاً ولماذا تعرضها على هذا الخواجة وليس عليَّ ؟ لأنه مثقف وفيلسوف وشاعر أوربي أما أنت يا صاحبي فلستَ سوى شاعرٍ بدوي أو متبدّ ٍ تجوب البلدان سعياً وراء الرزق والمغامرات . قال محتجاً ومن قال لك إنَّ الحَضَري أفضلُ من البدوي ؟ قلت إسألْ إبن خلدون !! ضحك عالياً فجامله الفيلسوف وضحك بدوره عالياً . ثم ، واصلت كلامي ، لم تقلْ أنت ما قال هذا الصديق بشأن الحب والمرأة . سألني : وماذا قال بهذا الخصوص ؟ قال [[ إنني لم أجدْ حتى اليوم إمرأة ً أريدها أمّا ً لأبنائي إلا المرأة التي أحبها ... ]] . واصلَ المتنبي هز َّ رأسه مبهوراً بما قال الفيلسوف . ظل يردد مع نفسه : [ إمرأة أريدها أماً لأبنائي ... إمرأة أحبها ... ] . غاب عنا لبرهة ثم تساءل : أفلم يتزوج بعد هذا الفيلسوف ؟ بلى ، لم يتزوج . رفع المتنبي حاجبيه مستفسراً عن السبب . لأنه لم يجد بعد المرأة المثال التي يرومها ، لم يلتقِ بهذا المثال وقد فاته سن الزواج . علّق المتنبي قائلاً : أما نحن الشعراء وسكنة البوادي والبراري والقرى فلا من سن محددة بعينها لزواج الرجل . يستطيع الواحد منا أن يتزوج حتى ولو كان في أرذل العمر . ما رأيك يا فيلسوف ، سألته ؟ قال إنَّ المتنبي على حق ، لم أجد المرأة التي أحبها وتستحقني ولا أقول تستحق عبقريتي ، فالبعض يعتبرالعبقرية جنوناً وهكذا كان حالي في بلدي مع الكثير من الناس . سألته : إذا ً أنت تحب المرأة لكنك لم تجدها ، لم تجد التي تستحق حبك ؟ قال مضبوط . لكن َّ المعروف عنك أنك تكره المرأة وتحقد عليها ، ألهذا الأمر من صلة بعزوفك عن الزواج أساسا ً ؟ قال هذا ليس صحيحاً ، جدْ لي مَن هي جديرة بي وبحبي سأقترن بها على الفور هنا أمامكا . عالْ ... صرختُ ... ما رأيك بهذه الفتاة الساحرة التي تحمل إسم < شعلة السناء > ؟ جميلة ومثقفة وبنت عائلة وتحب مجالسة المثقفين والأدباء والشعراء والمبدعين ؟ قال ولِمَ لم ْ تتزوج هي حتى اليوم إنْ كان أمرها كذلك كما وصفتَ ؟ سؤال جيد يا نيتشة ْ ، جيد جداً . الجواب هي أنَّ هذه التحفة النادرة مثلك لا تتزوج إلا من تقع في حبه ولم يسعفها حظها في العثور على هذا الرجل . فيها منك مشابه كثيرة فتوكلْ ونحن شاهدان . هي لا غيرها مَن سينجب لك خيرَ وأجمل الأبناء . قال قد أوقعتني في حيرة . أتيت إليك ففاجأتني بهذا المشروع العويص الخطير . أحتاج لإتخاذ قرار مناسب إلى ما لا يقل عن فترة عامين من الزمن . تململ المتنبي وقد فقد صبره ... تنحنح ثم قال : قرر الآن يا رجل ، ماذا أفادك عزوفك عن الزواج كل هذه الأعوام وماذا حملت لك عزوبيتك غير مرض السفلس الذي شرع ينخر خلايا دماغك . تجهّم الفيلسوف وقطّب جبينه ثم قال : هذا هو سبب عزوفي عن الزواج !! السفلس ينتقل إلى دم الأطفال من ذويهم والطفل أثمن ما في الوجود . به تتم دورة الحياة وبه تبتدئ ، تماماً كحلقة الزواج !
ما رأيك لو دعوناها لتشاركنا مجلسنا دون التعرض لموضوع الزواج ، فلعلها تكره الخوض فيه مع أناس ما سبق لها وأنْ خالطتهم . كثيراً ما يأتي الزواج كضربة الصدفة العمياء أو الحب من أول نظرة . دعونا نلتقيها هنا لتتعرف علينا بشكل جيد والمقسوم مقسوم ويظل المقسومُ مقسوماً . إنشرح صدر المتنبي لمقترحي وكان به بالغ السرور . أما الفيلسوف فسرح بعيداً عنا يفكر في مسألة فلسفية عويصة . عاد القهقرى إلى مغارته في أعلى الجبل ليختلي بنسره وأفعوانه وليناجي البحر من هناك . كان واضحاً أنه لا يرغب بالزواج ، بل ويتهرب من موضوعه أو الخوض فيه . يريد نظرياً إمرأة ً يحبها لكي تنجب له أبناءً ، إنه يعبد الأطفال لكنه متردد بشأن المرأة التي تنجب له هؤلاء الأبناء . يريد أبناءً بدون إمرأة ، خلافَ أمر ذاك الأمير الشرقي المستبد الذي كان يعاشر مئات الجواري والمحظيات والمسبيات لكنه يشترط عليهن َّ أن لا يحبلن ، والويل لمن تحمل منه كل الويل : جزاؤها الخنق أو الرمي في البحر مقيدة اليدين والقدمين مكممة الفم . هل في الدنيا من إمرأة طبيعية التكوين الجسدي والوظيفي لا تحبل ؟
إفترقنا ولم نتفق على قرار معين . وعدت صاحبي َّ أن أتابع الموضوع خلال الإيمل مع الصديقة < شعلة السناء > منفردين ... فلعلها ترضى بالمتنبي زوجاً وإنْ كان في عمر أبيها ! الزواج من رجل كالمتنبي أفضل من حياة العزوبية ، فهل ستحبه أو هل ستتزوجه بدون حب ؟
تبادلنا الرسائل عَبرَ البريد الألكتروني وأطلعتها على ما دار بيننا نحن الثلاثة من حديث . لم تعلّق ، ظلت صامتة صمتاً حيرني وأضناني . أفلا ترغب بالزواج من المتنبي إذا ما إستنكفت من نيتشة الملحد وهي متدينة على طريقتها الخاصة ؟ قالت بعد صمت طويل : لكنَّ المتنبي رجل متزوج وله ولد إسمه مُحسَّد . نعم ولكنْ ، قلتُ ، ماتت زوجه فترك ولده الوحيد في كنف جدة أبيه في الكوفة ، أي إنه رجل مثلكِ عازب في هذا اليوم . الزواج يا بُنية أفضل من حياة العزوبية . قالت أوافقك في هذا الرأي ولكن ْ ، سوف لن تكون حياتي سعيدة ولا مستقرة مع المتنبي . إنه رجل مغامر جوّاب آفاق لا يقر ُّ له قرار طويل اللسان يسب هذا وذاك فتأتيه العداوات من كل حدب وصوب . إنه وقع في غرامك يا حورية . قالت كيف ولم يرني بعدُ ؟ عرضت عليه بعض صورك فكاد أن يُجن . قال هذه ليست (( شعلة السناء )) إنما شعلة السماء ومليكة النساء . قلتُ له هيا إذا ً إعزمْ وتوكل وزرْ أباها في بيته وأطلب يدها منه فهو في سن تقارب سنّك والرجال تفهم بعضها بعضاً وتقدِّر حاجاتهم . قال أشعر بتردد وبعض التهيب حتى من الفكرة نفسها . أتود يا أبا مُحسَّد التعرف عليها وجهاً لوجه ؟ قال أتمنى لكني أخشى . ممَ تخشى الرجال من أمثالك وهل نسيتَ ما قلتَ من أشعار في الفروسية والقتال والشجاعة ؟ أهمل سؤالي وإنصرف بوجهه عني مردداً (( الرأي قبلَ شجاعةِ الشجعانِ )) ... فأكملت هذا البيت قائلاً (( هو أول ٌّ وهي المحلُ الثاني )) . هزَّ رأسه موافقاً وظل َّ قلقاً متردداً فشجعته على إتخاذ موقف سليم حاسم ناجز وذكرت له بعض شعره الذي قال فيه (( إذا كنتَ ذا رأي ٍّ فكنْ ذا عزيمةٍ // فإنَّ فسادَ الرأي أنْ تترددا )) . قال مُحنقا ً : لا رأي لي في هذا الموضوع الخطير ولا من عزيمة فكفَّ يا هذا ولا تحرث في البحر . داعبته للتخفيف من أزمته الحقيقية فقلت له : إذا ً ... سأعرض أنا عليها الزواج ! ضحك المتنبي من أعماقه لأنه على ثقة من أني أمزح معه لا أكثر . قال وقد توقف عن الضحك : هيا أقدمْ يا رجل ، أقدم وسأكون والسيد نيتشة شاهدا خطبتك لها من أبيها وشاهدا عقدة النكاح ثم الراقص في ليلة عرسك . ما رأيت المتنبي في حياتي جذلا ً هازئاً ساخراً كما أراه هذه اللحظات . قلت له : جميل منك يا صديق أن تحضر ليلة العرس ولكن كيف سترقص وأنت الرجل الوقور المحافظ والإسلام لا يسيغ الرقص والغناء ؟ قال سأرقص رقص الرجال الأشداء على القوم الظالمين ... سأرقص رقصة
[ العَرَضات ] بالسيف المعروفة في بلاد الحجاز ونجد . ضحكتُ ... ضحكتُ وأعجبني مرح الرجل ودعابته وسرعة َ خاطره فرأيت أن أسأله عن رقصة [ الدحّة ] البدوية أو [ الجوبية ] العراقية لكني أعرضتُ ولم أسالْ .
زرتُ بلاد [ شعلة السناء ] وطلبت مقابلتها في مقهى أو مطعم فإعتذرتْ . قالت إنها ليست من مرتادي المقاهي والمطاعم . بدل ذلك ، قالت ، تعالَ زرني في بيتنا وتعرّف ْ على أهلي فسيرحبون بك ضيفاً شرطَ أن لا تطرح نفسك عليهم خاطباً لإبنتهم . ماذا سأقول لهم إذا ً ؟ ما سبب هذه الزيارة التي تشبه الخيال ؟ قلْ لهم جئتُ أعرض على كريمتكم أمراً قد تقبلونه وقد ترفضون . قلْ لهم جئتُ أعرض عليها أن تختارَ لها زوجاً واحداً من إثنين : إما الشاعر العراقي المتنبي أو الشاعر والفيلسوف الألماني نيتشة ْ . قلت لها لكنَّ المتنبي مصاب بمرض جنون العَظمة وهو مَن قال ( أنا الذي بيّنَ الالهُ به الأقدارَ ... ) والفيلسوف مصاب بداء السفلس فأيهما تفضلين ؟ قالت أعوذ بالله من آفة السفلس ولم تزدْ . إستنتجتُ أنها لا تمانع من الزواج بالمتنبي طالما أنَّ علته نفسانية ، أما الآخر فالعلة في جسده ولا يصح ُّ ولا يتم الزواج إلا بالجسد .
أثناء اللقاء معها في دار أبيها سألتها هل ترغب في أن تلتقي مع خطيبها الشاعر الكوفي المفترض ؟ قالت أين ؟ قلت في بلدي ... قالت كلا ، تعالَ معه لنلتقي في بلدي تحت سمع وبصر أبي وأمي . قلت لها ألديك مانع أن أتكلم معه خلال تلفونك النقال هذا ؟ ناولتني التلفون فتكلمتُ مع المتنبي وهي تصغي . مرحباً صاحبي ... حصلت الموافقة الأولية على ترشيحك خاطباً لشعلة السناء على أن تأتي إلى بلدها وتطلب يدها من أبيها كما تقتضي العادات والأصول والتقاليد . سأكون معك وفي صفك مدافعاً ومزكياً ونافياً عنك الكثير مما أُلصقَ بك من تهم وإفتراءات . صمتَ المتنبي على الطرف الآخر وكنت أسمع صوت تنفسه لاهثاً . بعد فترة قال مُجهداً : إنسَ الموضوع . لا حاجةَ لي بالزواج . زواج ٌ واحدٌ يكفي بشره وخيره . ثم ، فاتني سن الزواج . لم يزدْ . لم ينتظر ردي . قال تصبح على خير وأغلق التلفون .
شعلة السناء
ـ حوار بين المتنبي ونيتشة ْ ـ
(( إنني لم أجدْ حتى اليوم إمرأة ً أريدها أمّا ً لأبنائي إلا المرأة التي أحبها ، لأنني أحبكِ أيتها الأبدية // الفيلسوف نيتشة ـ هكذا تكلم زرادشت )) .
لقاء غريب ، جد َّ غريب ، جمعت فيه بعد لأي ٍ كلاً من الشاعر أبي الطيب المتنبي والفيلسوف الألماني نيتشة . رجلان معروفان وشهيران فكيف لا أسعى للجمع بينهما مهما كانت المشاق والصعوبات ؟ هل تود أن تلتقي الفيلسوف في مدينتك العراقية الكوفة أم في بلده المانيا ؟ سألت المتنبي فقال بل أفضل أن نجتمع على أرض ملعبه ... في بلده ألمانيا . كما تشاء يا أبا الطيب . تقابل الرجلان فإعتنقا كأنهما معارف وأصدقاء منذ الأزل . تم اللقاء في بيتي وكنت قد أعددت مبكراً كل مستلزمات مثل هذا اللقاء التأريخي الذي لا يجود الزمن به إلا نادراً . كان كلاهما قد جاوز الخمسين بقليل وكان هذا عاملاً عجّل من سرعة التآلف فيما بينهما . لكأنَّ العمرَ جسرَُ حديد يمتد بشكل سري ٍّ تحت سطح الأرض ليربط البشر ببعضهم بقوّة وإحكام . قال المتنبي لي هيا تكلمْ يا رجل ، ما مناسبة هذا اللقاء ؟ معك حق ، معك حق يا شاعر ، المناسبة هي أني أعرض على أخينا نيتشة ْ صفقة زواج من فتاة مثقفة بالغة الحسن إسمها [ شعلة السناء ] فما رأيك ؟ إحتج َّ قائلاً ولماذا تعرضها على هذا الخواجة وليس عليَّ ؟ لأنه مثقف وفيلسوف وشاعر أوربي أما أنت يا صاحبي فلستَ سوى شاعرٍ بدوي أو متبدّ ٍ تجوب البلدان سعياً وراء الرزق والمغامرات . قال محتجاً ومن قال لك إنَّ الحَضَري أفضلُ من البدوي ؟ قلت إسألْ إبن خلدون !! ضحك عالياً فجامله الفيلسوف وضحك بدوره عالياً . ثم ، واصلت كلامي ، لم تقلْ أنت ما قال هذا الصديق بشأن الحب والمرأة . سألني : وماذا قال بهذا الخصوص ؟ قال [[ إنني لم أجدْ حتى اليوم إمرأة ً أريدها أمّا ً لأبنائي إلا المرأة التي أحبها ... ]] . واصلَ المتنبي هز َّ رأسه مبهوراً بما قال الفيلسوف . ظل يردد مع نفسه : [ إمرأة أريدها أماً لأبنائي ... إمرأة أحبها ... ] . غاب عنا لبرهة ثم تساءل : أفلم يتزوج بعد هذا الفيلسوف ؟ بلى ، لم يتزوج . رفع المتنبي حاجبيه مستفسراً عن السبب . لأنه لم يجد بعد المرأة المثال التي يرومها ، لم يلتقِ بهذا المثال وقد فاته سن الزواج . علّق المتنبي قائلاً : أما نحن الشعراء وسكنة البوادي والبراري والقرى فلا من سن محددة بعينها لزواج الرجل . يستطيع الواحد منا أن يتزوج حتى ولو كان في أرذل العمر . ما رأيك يا فيلسوف ، سألته ؟ قال إنَّ المتنبي على حق ، لم أجد المرأة التي أحبها وتستحقني ولا أقول تستحق عبقريتي ، فالبعض يعتبرالعبقرية جنوناً وهكذا كان حالي في بلدي مع الكثير من الناس . سألته : إذا ً أنت تحب المرأة لكنك لم تجدها ، لم تجد التي تستحق حبك ؟ قال مضبوط . لكن َّ المعروف عنك أنك تكره المرأة وتحقد عليها ، ألهذا الأمر من صلة بعزوفك عن الزواج أساسا ً ؟ قال هذا ليس صحيحاً ، جدْ لي مَن هي جديرة بي وبحبي سأقترن بها على الفور هنا أمامكا . عالْ ... صرختُ ... ما رأيك بهذه الفتاة الساحرة التي تحمل إسم < شعلة السناء > ؟ جميلة ومثقفة وبنت عائلة وتحب مجالسة المثقفين والأدباء والشعراء والمبدعين ؟ قال ولِمَ لم ْ تتزوج هي حتى اليوم إنْ كان أمرها كذلك كما وصفتَ ؟ سؤال جيد يا نيتشة ْ ، جيد جداً . الجواب هي أنَّ هذه التحفة النادرة مثلك لا تتزوج إلا من تقع في حبه ولم يسعفها حظها في العثور على هذا الرجل . فيها منك مشابه كثيرة فتوكلْ ونحن شاهدان . هي لا غيرها مَن سينجب لك خيرَ وأجمل الأبناء . قال قد أوقعتني في حيرة . أتيت إليك ففاجأتني بهذا المشروع العويص الخطير . أحتاج لإتخاذ قرار مناسب إلى ما لا يقل عن فترة عامين من الزمن . تململ المتنبي وقد فقد صبره ... تنحنح ثم قال : قرر الآن يا رجل ، ماذا أفادك عزوفك عن الزواج كل هذه الأعوام وماذا حملت لك عزوبيتك غير مرض السفلس الذي شرع ينخر خلايا دماغك . تجهّم الفيلسوف وقطّب جبينه ثم قال : هذا هو سبب عزوفي عن الزواج !! السفلس ينتقل إلى دم الأطفال من ذويهم والطفل أثمن ما في الوجود . به تتم دورة الحياة وبه تبتدئ ، تماماً كحلقة الزواج !
ما رأيك لو دعوناها لتشاركنا مجلسنا دون التعرض لموضوع الزواج ، فلعلها تكره الخوض فيه مع أناس ما سبق لها وأنْ خالطتهم . كثيراً ما يأتي الزواج كضربة الصدفة العمياء أو الحب من أول نظرة . دعونا نلتقيها هنا لتتعرف علينا بشكل جيد والمقسوم مقسوم ويظل المقسومُ مقسوماً . إنشرح صدر المتنبي لمقترحي وكان به بالغ السرور . أما الفيلسوف فسرح بعيداً عنا يفكر في مسألة فلسفية عويصة . عاد القهقرى إلى مغارته في أعلى الجبل ليختلي بنسره وأفعوانه وليناجي البحر من هناك . كان واضحاً أنه لا يرغب بالزواج ، بل ويتهرب من موضوعه أو الخوض فيه . يريد نظرياً إمرأة ً يحبها لكي تنجب له أبناءً ، إنه يعبد الأطفال لكنه متردد بشأن المرأة التي تنجب له هؤلاء الأبناء . يريد أبناءً بدون إمرأة ، خلافَ أمر ذاك الأمير الشرقي المستبد الذي كان يعاشر مئات الجواري والمحظيات والمسبيات لكنه يشترط عليهن َّ أن لا يحبلن ، والويل لمن تحمل منه كل الويل : جزاؤها الخنق أو الرمي في البحر مقيدة اليدين والقدمين مكممة الفم . هل في الدنيا من إمرأة طبيعية التكوين الجسدي والوظيفي لا تحبل ؟
إفترقنا ولم نتفق على قرار معين . وعدت صاحبي َّ أن أتابع الموضوع خلال الإيمل مع الصديقة < شعلة السناء > منفردين ... فلعلها ترضى بالمتنبي زوجاً وإنْ كان في عمر أبيها ! الزواج من رجل كالمتنبي أفضل من حياة العزوبية ، فهل ستحبه أو هل ستتزوجه بدون حب ؟
تبادلنا الرسائل عَبرَ البريد الألكتروني وأطلعتها على ما دار بيننا نحن الثلاثة من حديث . لم تعلّق ، ظلت صامتة صمتاً حيرني وأضناني . أفلا ترغب بالزواج من المتنبي إذا ما إستنكفت من نيتشة الملحد وهي متدينة على طريقتها الخاصة ؟ قالت بعد صمت طويل : لكنَّ المتنبي رجل متزوج وله ولد إسمه مُحسَّد . نعم ولكنْ ، قلتُ ، ماتت زوجه فترك ولده الوحيد في كنف جدة أبيه في الكوفة ، أي إنه رجل مثلكِ عازب في هذا اليوم . الزواج يا بُنية أفضل من حياة العزوبية . قالت أوافقك في هذا الرأي ولكن ْ ، سوف لن تكون حياتي سعيدة ولا مستقرة مع المتنبي . إنه رجل مغامر جوّاب آفاق لا يقر ُّ له قرار طويل اللسان يسب هذا وذاك فتأتيه العداوات من كل حدب وصوب . إنه وقع في غرامك يا حورية . قالت كيف ولم يرني بعدُ ؟ عرضت عليه بعض صورك فكاد أن يُجن . قال هذه ليست (( شعلة السناء )) إنما شعلة السماء ومليكة النساء . قلتُ له هيا إذا ً إعزمْ وتوكل وزرْ أباها في بيته وأطلب يدها منه فهو في سن تقارب سنّك والرجال تفهم بعضها بعضاً وتقدِّر حاجاتهم . قال أشعر بتردد وبعض التهيب حتى من الفكرة نفسها . أتود يا أبا مُحسَّد التعرف عليها وجهاً لوجه ؟ قال أتمنى لكني أخشى . ممَ تخشى الرجال من أمثالك وهل نسيتَ ما قلتَ من أشعار في الفروسية والقتال والشجاعة ؟ أهمل سؤالي وإنصرف بوجهه عني مردداً (( الرأي قبلَ شجاعةِ الشجعانِ )) ... فأكملت هذا البيت قائلاً (( هو أول ٌّ وهي المحلُ الثاني )) . هزَّ رأسه موافقاً وظل َّ قلقاً متردداً فشجعته على إتخاذ موقف سليم حاسم ناجز وذكرت له بعض شعره الذي قال فيه (( إذا كنتَ ذا رأي ٍّ فكنْ ذا عزيمةٍ // فإنَّ فسادَ الرأي أنْ تترددا )) . قال مُحنقا ً : لا رأي لي في هذا الموضوع الخطير ولا من عزيمة فكفَّ يا هذا ولا تحرث في البحر . داعبته للتخفيف من أزمته الحقيقية فقلت له : إذا ً ... سأعرض أنا عليها الزواج ! ضحك المتنبي من أعماقه لأنه على ثقة من أني أمزح معه لا أكثر . قال وقد توقف عن الضحك : هيا أقدمْ يا رجل ، أقدم وسأكون والسيد نيتشة شاهدا خطبتك لها من أبيها وشاهدا عقدة النكاح ثم الراقص في ليلة عرسك . ما رأيت المتنبي في حياتي جذلا ً هازئاً ساخراً كما أراه هذه اللحظات . قلت له : جميل منك يا صديق أن تحضر ليلة العرس ولكن كيف سترقص وأنت الرجل الوقور المحافظ والإسلام لا يسيغ الرقص والغناء ؟ قال سأرقص رقص الرجال الأشداء على القوم الظالمين ... سأرقص رقصة
[ العَرَضات ] بالسيف المعروفة في بلاد الحجاز ونجد . ضحكتُ ... ضحكتُ وأعجبني مرح الرجل ودعابته وسرعة َ خاطره فرأيت أن أسأله عن رقصة [ الدحّة ] البدوية أو [ الجوبية ] العراقية لكني أعرضتُ ولم أسالْ .
زرتُ بلاد [ شعلة السناء ] وطلبت مقابلتها في مقهى أو مطعم فإعتذرتْ . قالت إنها ليست من مرتادي المقاهي والمطاعم . بدل ذلك ، قالت ، تعالَ زرني في بيتنا وتعرّف ْ على أهلي فسيرحبون بك ضيفاً شرطَ أن لا تطرح نفسك عليهم خاطباً لإبنتهم . ماذا سأقول لهم إذا ً ؟ ما سبب هذه الزيارة التي تشبه الخيال ؟ قلْ لهم جئتُ أعرض على كريمتكم أمراً قد تقبلونه وقد ترفضون . قلْ لهم جئتُ أعرض عليها أن تختارَ لها زوجاً واحداً من إثنين : إما الشاعر العراقي المتنبي أو الشاعر والفيلسوف الألماني نيتشة ْ . قلت لها لكنَّ المتنبي مصاب بمرض جنون العَظمة وهو مَن قال ( أنا الذي بيّنَ الالهُ به الأقدارَ ... ) والفيلسوف مصاب بداء السفلس فأيهما تفضلين ؟ قالت أعوذ بالله من آفة السفلس ولم تزدْ . إستنتجتُ أنها لا تمانع من الزواج بالمتنبي طالما أنَّ علته نفسانية ، أما الآخر فالعلة في جسده ولا يصح ُّ ولا يتم الزواج إلا بالجسد .
أثناء اللقاء معها في دار أبيها سألتها هل ترغب في أن تلتقي مع خطيبها الشاعر الكوفي المفترض ؟ قالت أين ؟ قلت في بلدي ... قالت كلا ، تعالَ معه لنلتقي في بلدي تحت سمع وبصر أبي وأمي . قلت لها ألديك مانع أن أتكلم معه خلال تلفونك النقال هذا ؟ ناولتني التلفون فتكلمتُ مع المتنبي وهي تصغي . مرحباً صاحبي ... حصلت الموافقة الأولية على ترشيحك خاطباً لشعلة السناء على أن تأتي إلى بلدها وتطلب يدها من أبيها كما تقتضي العادات والأصول والتقاليد . سأكون معك وفي صفك مدافعاً ومزكياً ونافياً عنك الكثير مما أُلصقَ بك من تهم وإفتراءات . صمتَ المتنبي على الطرف الآخر وكنت أسمع صوت تنفسه لاهثاً . بعد فترة قال مُجهداً : إنسَ الموضوع . لا حاجةَ لي بالزواج . زواج ٌ واحدٌ يكفي بشره وخيره . ثم ، فاتني سن الزواج . لم يزدْ . لم ينتظر ردي . قال تصبح على خير وأغلق التلفون .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق